قصف بيت مراسل الجزيرة.. جذور الجريمة وخطيئة التحليل

0
2420


Oct 26, 2023

https://www.raialyoum.com/

بشير عمري

ليس تحديدا صلف الغرب وحده ما يثر سخط العرب بسبب دعمه لجرائم الكيان الصهيوني في فسلطين وتحديدا في غزة هاته الأيام وتوريتها، بل في خطاب بعض النخب العربية التي صدقت واهمة بمبادئه العالمية والعولمية، كتجربة انسانية موضوعية في التاريخ يستلزم نسخها واستنساخها وعدم مسخها بشرط مراعاة الخصوصيات التي لا تزال تلك النخب ترى فيها العقبة في تحقيق اللحاق بهذا الغرب، فها هي ذي دولة الكيان باعتبارها أداة هذا الغرب في المنطقة تُعيد انتاج الفكر والممارستين الاستعماريتين للغرب وفق سلوك تفوقي استعلائي ينبذ فكرة تصدير الحضارة بل الالحاق القسري بقشورها للأغيار، بأن لجأت إلى ضرب بيت مراسل صحفي لإحدى أكبر القنوات التلفزيونية الفضائية في العالم وأكبرها عربيا، دون أن تلاقي سخطا من غرب قدس، بزعمه ومن تبعه بنفاق، مهنة الاعلام ورفعها مكان عليا، حتى اعتبرها سلطة السلط أو السلطة الرابعة.

ففي ما تتجلى علاقة الجريمة تلك بالمنطق الاستعلائي الغربي؟ وما الذي على نخب العرب أن تعيه منها؟

بعيدا عن كل ما أثير في التحليلات والتأويلات سياسية واستراتيجية للحرب غير المتوازية ولا متوازية التي يشنها دركي الغرب على شعوب المنطقة، بالقول بمسئولية حماس من عدمها من خلال مبادرة 07 أكتوبر الماضية، او بتدبير ليلي للأجندة الحربية للكيان باتفاق وتوافق مع أنظمة السوء بالمنطقة، بغية تحييد أحدى عقبات التطبيع ممثلة في المقاومة بغزة بعد أن تم تدمير ما كان يفترض أنه كان القاعدة الخلفية لحزب الله ونقصد بها سوريا في مسار مطاردة وحصار أيران بهاته الناحية المشتعلة دوما في التاريخ، تكون بذلك حماس كمن ابتلع الطعم، فإن ما يسترعي رصده والسعي لفهمه هو الممارسات ذات الدلالات المشتركة بين الصهاينة وما سلف ممارسته من قبل جيوش الغرب بالمنطقة في مرحلتي استعمارهما البعيدة منها والقريبة.

فلا يزال الجميع يذكر ما طرحه الرئيس الأمريكي السابق جورج والكر بوش في أثناء حملته على العراق سنة 2003 على شريكه البريطاني في تلك الجريمة الإنسانية الكبرى، من فكرة قصف مقر قناة الجزيرة بقطر دون إيلاء أدنى اهتمام للردود التي قد تصدر عن الرأي العام الدولي، الأمر الذي لم ينصح به توني بلير حليفه وقتها، ما جعل الخطة تسقط في الماء.

وسواء أنفذت العملية وقتها أم تم تجاوزها، فالفكرة في حد ذاتها واضحة وناصحة ولا تثير أدنى شك في عمق الاستعلاء الغربي على بقية شعوب ومناطق العالم، فلو كانت القناة تلك غربية هل كانت ستطرح الفكرة الشنيعة ومخططها الاجرامي أصلا؟

لكن حتى وإن لم ينفد مخطط قصف قناة الجزيرة في حرب احتلال العراق في 2003، فقد نفذ جزء كبير منه، يوم تعرض فندق فلسطين بقلب العاصمة بغداد، الذي كان يأوي العديد من ممثلي الهيئات الإعلامية العالمية، لا سيما العربية منها، لضرابات صاروخية “ذكية” استهدفت بها الجزيرة تحديدا حيث وقع مراسلها طارق أيوب وقتها شهيدا للواجب المهني.

هذا السلوك العدواني والمعتدي على قيم حضارية أنتجها الغرب ذاته، ورفض ولا يزال يرفض بكل صور وأشكال الرفض، أن تخرج عن سوقه وسياق حضارته، إنما تؤكد جذوره اليهودية المسيحية كأساس لهاته الحضارة مهما لُفت بتأويلات وقراءات الموضوعية وانعدام الذاتية وضرورة الحياد العلمي في النظر إلى أصول ومبادئ الحضارات مثلما لا تزال تمضي عليه نخب العرب وتمارسه في خطابه بشكل “ببغائي” بحسب تعبير المفكر الكبير الراحل عبد الوهاب المسيري.

واليوم عوض أن نرى النقاش النخبي العربي ينفد إلى أعماق الحالة الحضارية التي تتجلى فيها كل الخِلل والأعطال، من خلال هذا التمييز المستمر والمنتشر بأشكال متعددة في الانتماء للإنسانية، نجد هذه النخب التي أفلست على كل الصعد وأضجت غير قابلة لا للترقيع فضلا عن الترصيع، سواء كان ذلك على مستوى الخطاب أو الممارسة – نجدها – مصرة على المضي قدما في غييها وظلالها المستمر في انتهاج سبيل الخطاب المعرفي الغربي المزيف والمغلف بالادعاء الموضوعي في التحليل الفكري والسياسي والحضارة لأحداث التاريخ بما يرسخ ويكرس فكرة محورية الحضارة الغربية وشرعية قيادتها لكل النماذج الحضارية الأخرى، بل الأكثر من ذلك رفضها ونفي طابع التحضر والإنسانية عليها.

إذن، فما يجري في غزة وكل ربوع فلسطين ينبغي أن يوسع من زاوية الرؤية لدى النخب العربية الجديدة التي لا تزال تحتفظ لنفسها على مقدار من المناعة الذاتية تبقيها بعيدا عن أن تُستهلك أو تجعلها تفقد مبررات وجودها وأساس مشروعيها، وأفق مشروعها بقيادة الامة نحو وعي جديد، ويخلصها من رواسب ما مضى من إخفاقات جراء اتباع نموذج استعماري استدماري زعم أنه قد أدرك سر حقيقة الإنسانية وجودا ووجوبا، وأنه يحمل في مشروعه بداية التاريخ ونهايته وما على “الاغيار” في العالم إلا الاتباع والانصياع، وهذا مسلك بعض نخب العرب الميتة والمميتة سواء تلك منها تلك التي عميت وانخدعت في ادعاءات الغرب، أو تلك التي تعامت وتواطأت مع نظم بلدانها العميلة في ساحق غالبيتها لهذا الغرب حتى استحالت إلى يده التي يبطش بها بالمنطقة، إذ كبلت شعوبها وأحبطت إرادتها في التطور على نطاقي الفكر والسياسة، وهو ما جرد هذه الشعوب من كل عناصر القوة الحضارية التي وحدها ما يجعلها تتجاوز واقعها المر بأن تنفض عنها غبار التخلف والتبعية والمهانة، وتأخذ بيدها مصيرها الحضاري، مثلما مُكن به الكيان الغاصب من إمكانيات ووسائل من جهة قهر وكسر وتدمير لـ”لاغيار” ومن جهة أخرى لبناء قوته الذاتية التي تمنعه من أي خطر يستهدفه في أفاق وعي شعوب المنطقة في ظل اليأس التام والعام والشامل من نخبهم السياسة الحاكمة والثقافية الحالمة والتي تجمع بين الصفتين أي تلك العملية.

    .

كاتب  جزائري

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici