محنة غزة وضرورة البحث عن مقاربة عربية جديدة للمقاومة الشعبية

0
2350


Nov 03, 2023

https://www.raialyoum.com/

بشير عمري

تفرض المعطيات الحاصلة في حرب الكيان الصهيوني على غزة اليوم، والشاكلة التي سارت عليه، جملة من الرؤى الجديدة التي ينبغي تبنيها التزاما بالمتغيرات الظرفية التي جاءت في سياقها هاته الحملة الهوجاء، والتي تجاوزت في مديات تأثيرها كل الحواجز، كاشفة عن انقلاب في الأهداف والوسائل تقتضي حتما انقلابا في التفكير والتدبير لدى قوى الرفض أو ما تنعب بالمقاومة.

فما هي المعطيات تلك الحاصلة في العدوان هذا غير مسبوق بمثيل في تاريخ ما يحرص على تسميته بالصراع العربي – الصهيوني؟ وما هي الرؤى الجديدة الواجب تبنيها؟

أصبح واضحا بعد الهجوم الكاسح لأقوى جيش بالمنطقة، على مدينة في حجم غزة أن الأمر يتجاوز مسألة أن يكون مجرد سعي لتأديب المقاومة، أو لرد الاعتبار لجيش الكيان عقب ما لحقه من ذل وهوان جراء عملية السابع من أكتوبر الفارط، بل هو فصل من أجندة إقليمية واضحة تروم أطرافها استكمال مشروع متعثر تشكل المقاومة جانبا مهما من أسباب عثراته، ذلك أن الجرأة التي اتسم بها العدوان هاته المرة من شراسة حجم مهول في الوحشية اللا إنسانية ضد المدنيين العزل والتي لم يعرف لها مثيل كما أسلفنا القول، لم يكن ليلجأ إليها جيش الكيان لولا الضوء الأخضر المسبق أو لنقل التوافق الضمني الذي حصل بشأنه مع الأطراف المتورطة في هذا المشروع المفروض (شرق الأوسط الجديد) والذي تتسارع وثيرة انفاذه بتسريع عملية (التطبيع).

لكن اللافت في الأمر هو أن كل هذه التطورات في التعامل الجديد مع معطيات الصراع والتي تتبدل وتتجدد في التدبير والوسائل لا يصاحبها تجديد أو تغيير على مستوى قوى الرفض والمقاومة في العالم العربي، التي لا تزال تنظر إلى مسألة الصراع هذه بمنظارها القديم، لأسباب عدة أبرزها أن هذا التيار المقاوم لا يزال محكوم بأدبيات خطاب الصراع الرسمي الذي استعصى عليه هو أيضا التغيير في ظل عدم قدرة الأنظمة العربية ذاتها عل التغير وفق ما تمليه الظروف والمعطيات العولمية السائدة اليوم.

إن عدم القدرة على الفكاك من الأسلوب القديم في الصراع مع الكيان الصهيوني والذي يقوده الخطاب الرسمي، وانشغال بل انكباب قوة الرفض على المسألة القطرية سعيا للتحرر من هاته النظم العربية التي باتت أخطر ما تكون على الأوطان، تسبب في انهيارات كبرى في الوعي بمسألة الصراع مع الكيان الغاصب، ولعل هذا ما تستغله قوى الاستكبار العالمي الداعمة لهكذا توجه، للتعجيل بالتحول إلى عهد جديد في المنطقة من قبل أن يُقضى مسعى التجديد القطري الحاصل على فترات متقطعة تحت مسميات عدة، (ربيع عربي، حراك شعبي..)

ويمكن هنا الاستدلال بتساؤلات مؤسسة على التجارب السابقة في مسار المقاومة، من مثل الانتفاضة الفلسطينية الأولى منها والثانية، أين تم التعامل الوجداني معها شعبيا، وبعقد قمم عربية رسميا، ثم انطفأت شعلتها ولم تفضي إلى انتاج فلسفة جديدة في المقاومة، وهو سيتوجب أكثر من أي وقت مضى تلافي مثل هكذا تعامل مع محطات بارزة من التاريخ.

فالمسألة إذا صارت تقتضي وضع مقاربة جديدة مستقلة عن الخطاب الرسمي ومتماشية مع الوعي الجديد لقوى الرفض العربية التي باتت تنظر إلى المصير بمنظار قطري صرف على اعتبار أنه زاوية الرؤية الرئيسة والمثلى في الخلاص من أوجاع وآلام الأمة.

فالعالم اليوم يتغير بوتيرة سريعة على كامل الصعد السياسة، الاقتصادية، التكنولوجية.. بينما يظل العقل العربي كالفخار القديم قائما مكانه ساكنا بلا حركة، لا ينتج مقتضيات المواكبة اللازمة لهذا التغيير، وكلما يفعله هو إعادة انتاج خططه وخطاباته الأولى التي طبعا لن تجد لها صدى في عالم سريع الإيقاع في التبدل والتحول.

من هنا يأتي دور النخب العربية في ضرورة إدراك واستدراك مصير الأمة من خلال وجوب التوسيع من دائرة تفكيرها بطرح جديد للصراع، يتجاوز الخطاب التحرري الذي كان سائد في فترة الحرب الباردة، اين كان لليسار صوت في نصف الكرة الأرضية، قبل أن تنهار قواه ويخر راكعا للرأسمالية المتحولة في نفسها وفق إيقاع جهنمي سريع.

وذات القول ينطبق على التيارات الاسلاموية التي لم تكن أقل عجزا من اليسار في ابداع خطاب جديد وأسلوب آخر في قيادة المقاومة، إذ لا تزال ماضية على ذات أدبيات ذروة نشاطاتها في سبعينيات وثمانينات القرن الفارط حيث كان النبض الجهادي الافغاني يلقي بآمال ثقال على نفوس أبناء هذا التيار قبل أن تنتهي هناك الحرب ويتضح أن كل ما جرى كان مجرد سراب بقيعة ولعبة استدارت على أصحابها لكون إدارتها من خلف الاستار كان في غير أيديهم.

الخلاصة هنا هي أنه من السخافة النظر إلى جريمة الكيان في تدمير عزة تدميرا شاملا كاملا بالمنظار الكلاسيكي للصراع، لا سيما في ظل التواطؤ الكبير الذي ظهر من جل المؤسسات الدولية بما فيها بعض الحقوقية منها، فضلا عن شاكلة تعامل دول المنطقة مع الجريمة وتناولها في سياق المناوشات العسكرية التي تحدث كل مرة بين جيش الكيان والمقاومة، ما يجردها من طابعها الاستثنائي الهمجي الاستئصالي للمدينة (غزة) بكاملها، وعليه صار أكثر من أي وقت مضى على النخب العربية أن تدرك بأن حَراكات الداخل الشعبية التي تروم التغيير القطري لا بد أن تشمل في أجندتها وفكرها المسألة الفلسطينية باعتبار أن هاته الأخيرة ظلت أداة متاجرة ومقامرة من النظم العربية بغية تخدير الشعوب وشلها جزئيا حتى تستديم متسلطة على رقابها، ومثلما أن خطاب المقاومة الداخلي الرامي للتغيير القطري بدأ ينتج مفرداته الخاصة ويبني عليها مشروعه، فقد بات واجبا أن يحدث الأمر ذاته مع المقاومة ضد الكيان الصهيوني، باستغلال كل ما صارت تُتيحه متغيرات العالم اليوم، لا سيما تكنولوجيا الاتصال التي قيل أنها حولت العالم إلى مجرد قرية !

كاتب  جزائري

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici