الامة الجزائرية.. من الفيروس الآسيوي إلى فيروس كورونا

0
1810
Redouane Boudjema

 · 

الجزائر الجديدة 168

يتذكر جيل ثورة التحرير جيدا الوباء الذي عرف بالفيروس الآسياوي الذي بدأ في الصين نهاية سنة 56 ووصل إلى الجزائر سنة 1957، وتجاوزته البشرية سنة 1958 بعدما ذهب ضحيته أكثر من مليوني شخص حسب أرقام منظمة الصحة العالمية.
بحثت وسألت عن عدد الضحايا من الجزائريين لكنني لم أنجح، فلا تتوفر أية أرقام لأن موت الجزائري بالنسبة للسلطات الاستعمارية الفرنسية لم يكن مهما كثيرا، لأن الثورة كانت مشتعلة وموت أي جزائري وجزائرية كان مبشرا بموت الثورة، لذلك فالسلطات الاستعمارية كانت تشعر أن الفيروس هبة من السماء للقضاء على الثورة والثوار وعلى الأمة الجزائرية.
الثوار الذين كانوا في الجبال يتذكرون أكثر من غيرهم هذا الفيروس، لأن الثورة حتمت عليهم العزل الصحي لتفادي انتشار الوباء وسط المقاتلين، وكانت تكلفة هذا العزل غالية بسبب الجوع ونقص المؤونة، أما السلطات الاستعمارية فاستخدمت وسائل إعلامها للدعاية ونشر العنصرية ضد الثورة والثوار، والحديث عن انعدام النظافة والقول بأن « الفلاقة » هم من ينقلون الوباء وسط سكان المدن التي استوطنها الكثير من المعمرين وبعض المتحالفين مع الإدارة الاستعمارية من الجزائريين.
9 ملايين جزائري وجزائرية آنذاك قاوموا الفيروس وواصلوا ثورتهم ضد الاستعمار، الذي كشف عن همجيته أكثر في سنوات 58 و59 و60 بعدما فهم أن هذا الشعب لن يقبل بغير الاستقلال، وهو ما تحقق سنة 62.
اليوم أكثر من 40 مليون جزائري وجزائرية باشروا حملات توعية مدنية دشنها الطلبة هذا الصباح لتوعية المجتمع بخطورة الفيروس ولا حديث لهم إلا عن ضمان حياة الجزائريين وهو وعي كبير لا يملكه للأسف حتى كبار المسؤولين في البلاد، وما تصريحات وزير الاتصال أمس إلا تأكيد لذلك، والذي استخدم دعوات تعليق مسيرات الحراك مطية لإطلاق كل الدعاية البدائية ضد الحراك، وحديثه عن « الحراك الجيد » الذي صنع منه وزيرا، واليوم أصبح حراكا مخترقا وغيرها من الخطابات التي فضحت كل عورات وزير لا يملك الحد الأدنى من الأخلاقيات السياسية، خاصة وأن الأمة تواجه وباءً خطيرا تجندت له كل حكومات العالم في استراتيجيات معالجة أزمة تهدد الجنس البشري والأمن القومي للدول.
كان من الواجب على السلطة أن تتعقل – وهو أكثر من واجب في هذه الظروف – وألا تستمر في غيبوبتها التاريخية، والحد الأدنى من ذلك هو فصل هذا الوباء عن مجال التجاذب السياسي، وعدم استخدام الكورونا لزرع الفتنة بين الجزائريين والجزائريات، وأن تعرف السلطة أن الوعي الشعبي اليوم يُبين أن هذه الثورة سائرة في طريق إنقاذ الأمة والكيان القانوني والجغرافي للدولة، وأن مسؤولياتها التاريخية كبيرة في استمرار إصرارها على عدم الانصات لصوت الأمة، فهذه الأمة انتصرت على أعتى قوة استعمارية وواجهت حروب إبادة، وهي مصرة على الوصول لبناء الدولة التي تفرص ثقافة المساءلة في تولي المسؤولية وهي الثقافة التي تضع الأخلاقيات في قلب الممارسة السياسية، وأدنى هذه الأخلاقيات عدم استعمال وباء الكورونا لفرض استمرارية منظومة ميتة وجودها مرتبط باستمرارية الفساد والاستبداد.

تصوير و تحرير رضوان بوجمعة
الجزائر في 17 مارس 2020

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici