المعارضة الجزائرية داخل ميكانيك الطحن السياسي والطعن التاريخي للمنظومة!

0
227



https://www.raialyoum.com/
21 nov 2020
بشير عمري

حسب أستاذة العلوم السياسية في جامعة الجزائر، الدكتورة لويزة آيت حمدوش، فإن قطب المعارضة الذي تشكل في ملتقيي مزفران1 و2 في 2014 لم يفقدا بعد جدواهما الآن، معتبرة في مشاركة لها في نقاش على قناة رديوم آم الاذاعية أداره الصحفي القدير إحسان قاضي، أن الأحزاب السياسية التي شاركت فيه هي من أفشل جهوده بهرولتها إلى المشاركة في الانتخابات التشريعية التي نظمتها السلطة آنذاك، متجاوزة بذلك اللحظة التأسيسية الجدية لمسار جديد في تاريخ المعارضة العلنية للنظام التي جاء بها عهد الانفتاح بعد أحداث أكتوبر 1988.

التسليم بمنطق تحليل الأستاذة لويزة آيت حمدوش، سيجبرنا على طرح تساؤلات عميقة في هذا الخصوص، من جملتها، ما الجدوى من وجود معارضة  تضبط السلطة تحركها داخل أجندة ميكانيك السياسة؟ أي أفق عملي خارج نظاق الاستحقاقات المؤسسية الدستورية الآلية يمكن للأحزاب أن ترى الأزمة من خلاله؟ هل لا يزال وعي المعارضة السياسية الحالية يقف عند حد إمكانية التغيير داخل هذا الميكانيك السياسي المضبوط؟

في البدء تتوجب الاشارة إلى أن إرادة الشعب الجزائري السياسية مذ بدأ تمرده على سلطة دولة الاستقلال من خلال الانتفاضات الجزئية أو العامة ضدها، كانت دوما تغيير المنظومة الحاكمة التي انحرف اللصوص فيها عن كل نصوص وتواصي الثورة وبيان التأسيس الوطني الذي أوضح توجهات ثورة التحرير الوطني، وهو البيان الذي لم يكن لا مشروع أيديولوجي للدولة كما أنه ظل أكبر من أن يكون مشروع حزب كا أريد له أن يكون فيما بعد، وبسبب ذلك التعسف والصلف في عصر وحصر المجتمع داخل منظومة حزبية واخراجها عمليا من فسحة البيانإلى ضيق الأحادية، انفجر إطار الثورة وكاد ينفرط معه عقد الوحدة واستحالت المنظومة غريبة عن الثورة عن الشعب وتأسست قطائع قاتلة لا يمكن تجاوزها إلا بالعودة إلى مسار تأسيس جديد يصحح الماضي،يبني الحاضر ويرنو إلى المستقبل.

لكن النظام ظل يرفض هذا الحد العالي من مطلب  التغيير الذي ينفذ إلى داخل أمعائه المتكلسة المتحجرة، لأن معاودة التأسيس هي عملية للقبض عليه في الماضي حيث جريمته التي ارتكبها وبها حرف قطار الثورة عن مساره، لذا يستميت ويشرس في الدفاع عن ماضيه الخاطئ بتزيينه وتزييفه خطابا وممارسة سواء بالادعاء بأنه جنب الجزائر حربا أهلية سنة 1962 وبتخوين مطالبي إعادة التأسيس والقول بأنهم يسعون إلى تحييد المجتمع عن قاعدة التأسيس النوفمبري الأول الذي وحده يعطي معنى للوجود الوطني.

داخل هذه الساحة المغلقة يتم طحن الحاضر بالماضي، السياسة بالتاريخ، الموضوعية بالوظنية، سواء في وعي الشعب أو النخب، ولا يمكن لجدل أو نقاش أو استحقاق أن يخرج منها أو عليها وإلا اعتبر خارجا عن الاجماع، فصارت تظهر (الساحة المغلقة) كمحتشد للوعي ومحتبس لارادة التحول التاريخي الذي تنشده الأمة.

وهنا ينطرح السؤال كيف تمكن عقل الحركة الوطنية من تحرير نفسه من الحلقة المغلقة التي ضربها حول الاستعمار، وجعله مفرغ الجوهر، محدود نطاقات التحرك ضيق الأفاق؟

إن مشكل المعارضة السياسية في الجزائر هو افتقارها للمشروع الكبير الذي يتصل باللحظة الوطنية الفاصلة، مثلما كان عليه الشأن مع فصائل الحركة الوطنية الذين تداعوا لنداء الوحدة في جبهة تحرير وطني واحدة، تكون وسيلة مؤقتة وليست غاية دائمة في حد ذاتها لتحقيق مشروع التحرير بالقوة من الاستعمار، لأن هذا الأخير صار لا يستمع إلى صدى الوعي الشعبي الجديد وبلغ مستوى من العنت والعناد بحيث أصبح خطرا على الجميع بما في ذلك نفسه، لكن ديغول بدا أكثر حكمة وعمل على انقاذ نظامه من خلال قبوله التفاوظ ومن ثمة تنظيم استفتاء تقرير المصير؟

هي إذا إرادة التحرير التي أفرزت عبقرية الثورة وفرضت في الأخير منطق التاريخ على الاستعمار، فما هي عبقرية مكونات المعارضة السياسية الجادة اليوم من أجل تحقيق إنجاز شبيه بالتحرير أي التغيير الذي ينقل البلاد من تلك الساحة المغلقة المعتمة التي يفرض فيها النظام نزالاته ويهزم فيها كل خصومه سواء بالضربة القاضية أو بالنقاط بما فيهم الشعب والنخب؟

مشكل أحزاب المعارضة في الجزائر هو أنه بالاضافة إلى أنها سقطت كلها تكتيكيا، فرديا وجماعيا في وحل الفساد الذي انتهجت تعميمه المنظومة لا سيما منها سلطة بوتفليقة، ، وصارت بالتالي تلعب ذات دور الأحزاب الاجهزة أي أحزاب الواجهة في سلطة الواجهة، ما نال من مصداقيتها داخل الأوساط الشعبية، هو أنها لم تخرج بعد عن نطاق المفهوم الكلاسيكي للحزبية، إذ لا تزال تتمحور حول الهالة الأيديولوجية بين اشتراكي رينينه وحينينه متصل دوما بقاموسه العمالي القديم، وإسلامي يردد أقصايصه الأولى الإسلام هو الحل، ووطني مسحور بأغني الجبال الأولى، والكل متناس أن الحزبية في فلسفة السياسة والتاريخ قد تطورت من الأيديولوجية إلى البرنامج، وهو ما يحقق الاستمرارية في تطور الدولة والمجتمع في الغرب، فليس يؤثر فيه أويعيده القهقرى تغيرر المنظومة الحاكمة إن استلم السلطة بعد الانتخابات حزب يساري من حزب يميني.

وعلى ضوء هكذا فهم خاطئ لمعطى العمل السياسي وسبل الخلاص من طوق النظام المفروض على المشهد السياسي، ظلت الأحزاب وستبقى مجبرة على مسايرة ريتم وأسلوب ميكانيك عملي سياسي بلا روح لا يتيح لها تحقيق شرط التغيير وهي إذا العبقرية التاريخية التي تنقص هذا الجيل السياسي للجزائر.

 .

كاتب صحفي جزائري

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici