إيكونوميست: لماذا يبدو النظام الجزائري محظوظا مرة أخرى؟

0
1435

18 – نوفمبر – 2022

إبراهيم درويش

https://www.alquds.co.uk/ لندن – “القدس العربي”:

نشرت مجلة “ايكونوميست” البريطانية مقالا قالت فيه إن هناك كلمتين في المعجم الجزائري الدارج تلخصان الحالة المرضية للجزائر: “الحقرة” و”الحراقة”. الأولى تشمل مجموعة من المشاعر الكئيبة التي تؤثر على الجزائريين: شعور بالإذلال والقمع وإنكار للكرامة. وهو ما يؤدي إلى الكلمة الثانية الشائعة بشكل متزايد، والتي تعني حرفيا “أولئك الذين يحترقون”، ويتم تطبيقه على عدد متزايد من الجزائريين الراغبين في الهجرة بشكل غير قانوني للحصول على حياة أفضل في الخارج، بما في ذلك حرق أوراق الهوية. حتى الآن هذا العام وصل حوالي 13000 إلى إسبانيا في قوارب متهالكة.

هناك كلمتين في المعجم الجزائري الدارج تلخصان الحالة المرضية للجزائر: “الحقرة” و”الحراقة”

وفي مقال نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية قبل فترة، بعنوان “الحقيبة أو السجن”، تناولت المشاعر والأسباب التي تدفع الناشطين البارزين في مجال حقوق الإنسان للهجرة. ونقل عن المحامي عيسى رحمون قوله: “اضطررت إلى الفرار للبقاء على قيد الحياة”.

وتقول إن الجزائريين الذين لديهم ما يكفي من المال أو العلاقات للمغادرة بشكل قانوني غالبا ما يتجهون إلى أوروبا أو أمريكا أو الخليج. من بين أولئك الذين حصلوا على تأشيرات للدراسة في الخارج، “90% لا يعودون إلى بلادهم”، كما يقول رجل أعمال غربي يزور الجزائر بشكل دائم.

وتقول المجلة إنه ومثل كل الأجانب والمقيمين الجزائريين الذين تمت مقابلتهم لغرض المقال، طلب عدم الكشف عن هويته، وهو انعكاس واضح لما يفعله النظام.

وتوضح أن هناك ثلاثة عوامل تعمل على كبح السخط العام في الوقت الحالي:

الأول هو ارتفاع أسعار الغاز والنفط، اللذين يمثلان 90% من أرباح العملات الأجنبية.وأوروبا متعطشة بشكل خاص للغاز الجزائري.

والثاني هو العقد الاجتماعي الذي بموجبه يتم دعم أساسيات الحياة – الأطعمة الأساسية، والكهرباء، وزيت الطهي، والبنزين، والإسكان – بشكل كبير. وهذا يضع الجزائر في مرتبة متقدمة على نظيراتها في شمال إفريقيا في مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة. ويقر أحد منتقدي النظام قائلا: “لا أحد يجوع”.

والثالث، هو الذاكرة الكامنة لسنوات العنف المروعة في جميع أنحاء البلاد، بما فيها ما يسمى بالعشرية السوداء أو السنوات السود.

بدأ هذا في عام 1992، عندما ألغى النظام العسكري الجولة الثانية من الانتخابات التي كان الإسلاميون على وشك الفوز بها، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية قتل فيها ما بين 150 و200 ألف مواطن.

وعلى الرغم من عدم ارتياح الكثيرين لحالة الركود في ظل النظام الحالي والخشية من الجهاز العسكري والأمني الذي يقف وراءه، فإن الكثيرين يفضلونه على الفوضى وإراقة الدماء التي يعتقدون أنها قد تنفجر إذا تم رفع غطاء القمع.

على الرغم من عدم ارتياح الكثيرين لحالة الركود في ظل النظام الحالي والخشية من الجهاز العسكري والأمني الذي يقف وراءه، فإن الكثيرين يفضلونه على الفوضى

وتقول المجلة إنه “لولا الغاز والنفط، لكان الاقتصاد كئيبا”. فأكبر شركة هي سوناطراك، وهي شركة عملاقة تدار بشكل سيئ وتهيمن على قطاع الطاقة. وفي الجزائر، غالبا ما كان النمو الاقتصادي متأخرا عن النمو السكاني المتزايد، الذي يبلغ الآن حوالي 45 مليونا. ويحد الاستهلاك المحلي المتزايد من الغاز من نطاق تصدير المزيد منه. تبلغ نسبة البطالة الرسمية حوالي 15% وهي أعلى بكثير بين الشباب.

وكان من المفترض أن يفتح قانون صدر في عام 2019 الاستثمار للأجانب، مما يلغي الشرط السابق بأن الشركات الجزائرية، التي تديرها الدولة بشكل عام، يجب أن تمتلك أكثر من نصف أي شركة. لكن البنوك الغربية وصندوق النقد الدولي، التي ينظر إليها بريبة في الدوائر الجزائرية الرسمية، لا تزال حذرة من التورط. ولا تزال العقبات البيروقراطية وعدم الكفاءة البالغة، والموقف العدائي تجاه رأس المال الأجنبي، وخاصة الفرنسي والأمريكي، تردع الأجانب، على الرغم من أن أوكسيدنتال، عملاق النفط الأمريكي، وشركة توتال إنرجي الفرنسية، وإيني الإيطالية وقعت اتفاقا لمشاركة الإنتاج مع سوناطراك في تموز/ يوليو.

ولا يزال معظم رجال الأعمال الأجانب في حيرة من أمرهم بسبب القوانين الجديدة وتفاصيلها الصغيرة. لا يزال من غير الواضح كيف أو ما إذا كان يمكن إعادة الأرباح إلى الوطن. هناك شكاوى أخرى ثابتة تتمثل في فرض الرسوم الجمركية العشوائية على الواردات. ويعلق مستثمر غربي “إنهم يفرضونها متى شاءوا”. إضافة لعدم الرغبة في السماح باستيراد أي شيء يصنع مثله في الجزائر، بغض النظر عن جودة المنتج المحلي وعدم قابلية تحويل الدينار الجزائري، والذي يتم خصمه بمقدار الثلث في السوق السوداء المستخدمة على نطاق واسع والحاجة الروتينية لرشوة مسؤولي الدولة لعقد صفقة.

وغالبا ما يتهم رجال الأعمال الذين يغضبون السلطات أو المنافسين ذوي العلاقات بالمسؤولين بالفساد أو بالتهرب الضريبي – وينتهي بهم الأمر في السجن.

إن اشتراط قيام الوزراء أو كبار المسؤولين بالتوقيع على أي صفقة تقريبا، بالإضافة إلى الخمول وعدم كفاءة الموظفين الرسميين، يجعل الأعمال صعبة للغاية. يعتقد أحد المقيمين الأجانب أن 40% من الطلبات المقدمة إلى الهيئات الحكومية لا يتم الرد عليها أبدا.

ويقول غربي آخر إن ذوي الرتب المتوسطة “يخافون من الخروج عن الخط.. عليك أن تأخذ الأمر إلى القمة، وإلا فإن الأمور لن تتحرك إلى الأبد. يمكن للقوانين أن تتغير، ولكن لا شيء يتغير”.

وتعلق المجلة أن بيئة الأعمال الساكنة تعكس طبيعة السياسة الجزائرية. ففي أوائل عام 2019، اندلعت احتجاجات سلمية في الشوارع بعد أن قال عبد العزيز بوتفليقة المريض، الذي كان رئيسا لمدة 20 عاما، إنه سيرشح نفسه لولاية خامسة. الاحتجاجات المعروفة باسم الحراك، والتي اجتذبت أحيانا حشودا تصل إلى مليون شخص إلى الشوارع، أجبرت بوتفليقة على التنحي إلى جانب الحلقة المغلقة حوله من المحتالين ورجال الأمن. وتم سجن العشرات من الشخصيات البارزة، بمن فيهم شقيق بوتفليقة، ورؤساء سابقون لجهاز الأمن، ورئيسا وزراء سابقان وسلسلة من الوزراء والجنرالات. معظمهم لا يزال في الحبس.

لكن سرعان ما أصبح واضحا أن النظام الجديد لعبد المجيد تبون، الوزير السابق الذي خدم لفترة طويلة في عهد بوتفليقة، كان مثل سابقه. لم ينقذه إلا ظهور كوفيد-19 في عام 2020، مما تسبب في تلاشي الحراك، وارتفاع أسعار الغاز والنفط بعد غزو روسيا لأوكرانيا.

وتتساءل المجلة: هل يمكن لشخصية إصلاحية وتحررية حقيقية على غرار غورباتشوف أن تظهر من داخل السلطة، حيث الدائرة الغامضة من الشخصيات التي لا تزال تشد الخيوط معروفة؟ وقالت إن إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، أساء إلى تبون قبل عام من خلال وصفه بأنه “عالق” في “نظام عسكري سياسي”. وبحسبها يعتقد الكثير من المطلعين أنه ليس أكثر من مجرد شخصية صوريّة. أصيب بفيروس كوفيد، في عام 2020، واختفى عن الأنظار لأكثر من شهر في ألمانيا. وقالت إنه غالبا ما يتنهد الدبلوماسيون ورجال الأعمال قائلين: “لا أحد يعرف حقا من المسؤول”.

وتضيف المجلة أن القمع زاد مرة أخرى. وتشير إلى أن  “هيومان رايتس ووتش” تقول إن هناك أكثر من 280 سجينا سياسيا ولكن منظمة محلية تقدر العدد بـ 320. وقد تم حل هيئة حقوقية رائدة، وهي “جمعية راج” قبل عام. وتم حظر عمل المنظمات غير الحكومية الأجنبية بشكل فعلي. يتعرض الصحافيون والشخصيات السياسية المستقلة للمضايقة والسجن، وغالبا ما يتم اتهامهم زورا بالتواطؤ مع إحدى المجموعتين، رشاد وحركة الحكم الذاتي في منطقة القبائل (المنطقة الأمازيغية الرئيسية). الأولى تم ربطها بالتطرف الإسلامي، والثانية مرتبطة بالانفصاليين وكلاهما يخيف الكثير من الجزائريين.

وتشير المجلة إلى أن وسائل الإعلام الرسمية متملقة بشكل مثير للشفقة. وتعتبر الصحافة الغربية، وخاصة الفرنسية منها، معادية. ولا توجد صحيفة فرنسية كبيرة لديها مراسل فرنسي مقيم واضطر مكتب وكالة فرانس برس للإغلاق.و تنقل عن أستاذ تاريخ زعمه وبصورة صريحة أن وسائل الإعلام المعارضة والحراك تم اختراقهما من قبل الموساد، جهاز المخابرات الإسرائيلي، وعلى الأرجح تم رشوتهما من قبل المغرب.

وتقول إن التصريحات الرسمية تميل إلى أن تكون مشبعة بمزيج من التباهي والبارانويا. التقييمات الصريحة، لا سيما في الصحافة الفرنسية، يتم رفضها بشدة باعتبارها عنصرية أو مدفوعة برغبة مليئة بالكراهية لزعزعة استقرار البلاد – أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة.

 كما أن وسائل الإعلام الرسمية شديدة الحساسية تجاه المغرب المجاور، خاصة وأن المد الدبلوماسي قد ينقلب على الجزائر في “حملتها لنيل استقلال الصحراء الغربية من الاحتلال المغربي”، كما تكتب “الإيكونوميست.

ووبحسب المجلة فالحقيقة هي أن” الاقتصاد والسياسة في الجزائر جامدان، وقيادتها قمعية لكنها ضعيفة، ودورها في إفريقيا والعالم العربي يقدر نفسه ولكنه لا يحظى بالتقدير ولا يزال يمثل بطلا لحركة عدم الانحياز العالمية”. وتقول إن كثيرا من الناس، وخاصة الشباب، غير سعداء ومحبطين وخائفين من السلطة. وأن الحقرة تسود، والحراقة  يبحثون عن مخرج. والجماهير التي دعمت الحراك لم تختف. وتزعم المجلة “أنه إذا انخفض سعر الغاز والنفط بشكل حاد، فمن الصعب أن نرى كيف يمكن لهذا النظام الغامض والفاسد البقاء على قيد الحياة”.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici